حين تعصف رياح الشتاء الباردة تجمعنا نارها الدافئة ، وحولها يحلو التسامر ، تمتعنا الكستناء حين تتفقّع ، وشاي يوضع يترقّد، وطفلٌ يظن الجمرة ثمرة ، يركض نحوها فيبعد ، لكني لا أبعد أطفالي ، فبمجرد أن يبلغ طفلي الحبي ، أمسك يده وأقربها من النار، ثم أقول له ،أحْ أحْ ، وبعدها أضع يدي علي إبريق الشاي الصيني الموضوع قرب النار لأتأكّد من حرارته ،وأضع يد طفلي الصغير عليه لتمسّه حرارته ، لا تزيد على لسعة الناموس أو النحلة ، لكنني بهذا أنقل ملفاً كاملاً عن خطورة النّار إلى طفلي الصغير، وبعدها أقرب يد طفلي ثانية ، لأراه يسحبها من يدي ، فيطمئن له قلبي في غيابي ، وتنتهي فترة حمايتي له عن النار ، وأتفرّغ لتعليمه غيرها، وتبدأ حمايته لإخوانه وأقرانه ، فتراه يصرخ لمن يقترب من النار ببراءة واهتمام شديدين قائلاً أحْ أحْ.
وكذلك هي الحياة ، بها الكثير من الطرق المختصرة تكفينا عناء تكرار أمور تربوية كثيرة ، وكم أتألم حين أرى بعض المربين من الآباء أو الأمهات يكررون كل يوم ذات الطقوس التربوية ، فهذا يطلب من ابنه أن لا يتخاصم مع أقرانه ، لكن ابنه يعود للتخاصم ويعود أبوه لزجره ، لكنّ أباه لو علّمه مهارات التعامل مع أقرانه وأن من فوائد التسامح والتغاضي عن زلاتهم هو محبتهم له وحرصهم على اللعب معه مجدداً ، أو أنه حدّثه أن التنازل عن الحق أنفع من التمسّك به لوجد طريقاً مختصراً يخرج به من دوّامة الطقوس التربوية ، وبعدها يتفرّغ أباه ليعلّمه مهارة جديدة لكن الكثير لا يبحث عن هذه الطرق يمنعه وهمه وظنونه بعدم وجود طريق أقصر من طريقه ، يقول المفكّر الأيرلندي الحائز على جائزة نوبل في الأدب برنارد شو ( ١٩٥٠ ) إن أكبر المشاكل هو الوهم الذي يمنعنا أن نرى المشكلة .
لكنّ تلك الطرق موجودة ،لا أفتؤأبحث عنها وإن لم أجدها، ولا أكلّمن التفكير بها ، وجدتها في تعليمي صغاري كما وجدتهافي تسبيح ربي الباري ، فحين أسبّحه عدد خلقه ورضى نفسه وزنة عرشة ومداد كلامته ثلاثاً ، تفوق تسبيحاتيتسبيحمن أمضى ساعات الضحى يسبّح كما في حديث أم المؤمنين جويرية
Comments