ليس في كويتنا جبال الألب الشاهقة، أو شلالات نياغرا العظيمة، ليس فيها سفوح باڤاريا الخضراء، أو ريف الريفيرا الساحر، ولا يشابه صيفنا صيف كاليفورنيا المعتدل، ولا شتاؤنا هو شتاء هاواي الدافئ، ولكننا في الكويت نجد أناساً طيبين نعيش معهم، نحبهم ويحبّوننا، وبلداً غير مكلف، نستمتع فيه بالمواطنة أو الإقامة دون سياط الضرائب، وأبسط مثال على ذلك، أنك تركن سيارتك بمائة فلس لمدة ساعة في المواقف العامة وسط العاصمة، بينما تدفع دينارين في فانكوفر الكندية، و3 دنانير في باريس، و7 دنانير في شيكاغو لساعة وقوف. ونشتري من أسواقنا المركزية زجاجة الماء الكبيرة بـ 150 فلساً (نصف دولار)، بينما نجدها في رف محطات الوقود النمساوية بدينارين. ولا تنس أنك تدفع هنا عشر ثمن الوقود هناك، ولن تزيد فاتورتنا في أرقى مطعم سمك لدينا على 20 ديناراً، ولكننا قد ندفع 60 ديناراً من أجل جلسة في مطعم أوروبي نقوم منه جوعى. ويبقى لنا الخيار بأن نحصل على طبق سمك شهي مقابل دينارين في الكويت، ولكن بجلسة وديكورات متواضعة.
وفي كويتنا الغالية، لن تضطر إلى أن تنظف منزلك بنفسك كما يفعل الأثرياء الأوروبيون والأميركيون، فعاملة تنظيف المنزل لديهم يكلّف عملها لثماني ساعات 800 دولار، بينما عندنا أجرتها اليومية تقارب الدينارين. نعم، إن الكويت تعجبني، وقد يغيب بعض إعجابي حين أقارنها بما هي أفضل منها في أمور أخرى، ولكني إن رأيت شيئاً لا يسرني فيها أعود لأتذكرها وقد احترقت بعد الغزو الغاشم، وتطايرت أدخنة حرق آبارها وملأت أنفي غازات هذه الآبار وتلوثت ثيابي بالبقع النفطية، وتدمرت بنيتها التحتية، وخلت أرفف أسواقها، وقلّت سياراتها، وكأننا في مدينة مهجورة. وحين أتذكرها في تلك الحالة وأقارنها بما آلت إليه اليوم يرجع إعجابي بها دون منغصات، فتعود وتعجبني بزحمة سيرها، وعدم احترام قوانينها، وإهمال بعض موظفيها، وحين أبدأ أحدّث نفسي بالكثير من الأمنيات أحرص على ألا تطول فترة تفكيري في هذه الأمنيات، فالنّعم التي منّ الله بها على هذا البلد لا يمكن أن تحصى، والتفكير فيما ينقص بلادي سيمنعني من الاستمتاع بها، فالسعادة عندي تبدأ في التفريق بين ما هو عندي وما أتمنّاه، فالتفريق بينهما يبقيني بعيداً عن التعاسة، فالله سبحانه أعطاني الكثير وحرمني من الكثير، وأعطيته هي الواقع الذي أعيشه وأستمتع به وهو وطني كما أحيا فيه الآن، وما أتمناه هو ما لم يشأ سبحانه أن يعطيني إياه، وإن كان ممكن الحدوث، فأطلبه وأتمنّاه، ولكنني لن أعيش فكرة الحصول عليه أو أظل أفكّر فيه، فمن دفتر ملاحظاتي، كتلميذ للحياة، وجدت أن كل من يخلط بين ما يملك وبين ما يتمنى، يكون قليل السعادة، عسير الابتسامة، دائم الانزعاج، فهو يحاول أن يعيش الأمنيات التي يجد فيها تمام رغبته، ولكنه ينسى أن الكمال مستحيل، ولا وجود له، فهو كمن يحلّق بمركبة أمنياته كل يوم ليرحل بعيداً عن واقعه الذي لا يعجبه، فكلما رحل بعيداً بأمنياته كان تحطم مركبته أشد على أرض الواقع، بينما يكون الآخر كمن هو واقف على أرضه في مأمن من التحطّم.
وبين عناوين الصحف، وجدت بعض الأماني تتحقق، فمجلس الوزراء قد رفع قطعة الرخام التي يخبئ أسفلها الملايين ليبني جسر جابر. وعلى الرغم من سعادتي بالجسر، فإن ذلك الخبر ليس في أولوياتي، فأمنياتي للكويت تبدأ بالمهم ثم الأقل أهمية. ولو خيرت بين هذا الجسر ومنع التدخين في الأماكن المغلقة، لكان صوتي مع منع التدخين أولاً. فلست أنا من يحزن إن سبقنا غيرنا بجسر أطول أو عمارة أعلى، ولكنني أحزن أن يمنع التدخين في حدائق نيويورك العامة وشواطئها ويدخّن السيجار الكوبي الكريه في أماكن وطني المغلقة، وتحت سقف واحد مع أبنائنا، دون أن تكون هناك وسيلة أو آلية تمنع المدخنين الإضرار بأولادنا، فالمال يجب أن يحسن توجيهه في بناء البشر قبل الحجر، وفي العناية بصحتنا بدلاً من أن نبني المستشفيات لنعالج ما يمكن تلافي مخاطره.
Comentários