لن أكترث كثيراً في هذا الوقت من السنة، لو توقّفت جميع رحلات الطيران من الكويت ، فليس هناك أية وجهة تفضل بلدي لأغادر إليها، ولأغتنم هذه الأيام الرائعة، اختصرت نومة الظهر لتصبح دقائق قليلة ، أقفز بعدها لأدرك ما بقي من الوقت قبل غروب الشمس ، أمشي على شاطئ البحر ، أضع سماعتي وأستمع إلى أحدث كتاب مسموع اشتريته، يحدّثني عن ما وصلت إليه الفلسفة اليوم، ورغم أن الفلاسفة عباقرة، إلا أن عقولهم الجبّارة تستخدم كما يستخدم ثور السقي في البئر ، يجيدون الدوران في الدوائر المغلقة ولا يخرجون منها، والثور يخرج الماء، وهو يخرجون الشكوك ويغرسونها في عقولنا.
لكن متعة متابعة أعمالهم الآخرين الفكرية، هي متعة لا تضاهييها متعة، وأزيد متعة السماع بمتع الاستمتاع بالشاطئ الجميل، ومتعة انطلاق النظر إلى البحر الذي حوّل لونه الشتاء للأزرق الصافي، والزرع الأخضر الغامق والجو معتدل البرودة، واستشعر نعم الله علينا في هذا البلد، وأسترجع قصيدة صفي الدين الحلّي ”خلعَ الربيعُ على غصونِ البانِ “ وأصل بيت القصيد فيها : ”وتنوعتُ بسطُ الرياضِ، فزهرُها متباينٌ الأشكالِ والألوانِ، مِن أبيَضٍ يَقَقٍ وأصفَرَ فاقِعٍ، أو أزرَقٍ صافٍ، وأحمَرَ قاني “ ويقول: ”طفحَ السرورُ عليّ حتى إنهُ مِن عِظمِ ما قَد سَرّني أبكاني، فاصرفْ همومكَ بالربيعِ وفصلهِ، إنّ الرّبيعَ هوَ الشّبابُ الّثاني“.
الكثير من الجمال يغمرني يلهمني ويمتعني ، وحين ما تشتد بي نشوة المتعة، أوقف كتابي وأشغل العزف المنفرد علـى البيانو لروبن سبيلبيرغ لاحلّق في سماء أخرى، في عالم افتراضي أقرب منه ليكون واقعي، فألبوم روبن المفضل عندي - هذه الأيام - أسمه ”في زمان مختلف، في مكان مختلف “ وفعلاً الزمان مختلف ، فكل هذا الهدوء ليس إلا بين أخبار اقتصادية صاخبة ومقيتة ، وتدهور الأوضاع الإقتصادية، وسوء واضح في إدارة الأزمة، فالحكومة تجيد تشجيع المواطنين على خفض النفقات ، ولا تتحدّث عن سياستها القادمة في المساعدات والمعونات ، و تهيئ الشارع لحزم من الرسوم والضرائب وتتجاهل المال السائب .
قبل أيام أعلنت أبل عن ايراداتها للثلاث أشهر الماضية لتقارب ٧٦ مليار دولار، وشركة أبل لا تبيع النفط، ولا تملك غاز ، ولا برلمان ولا معارضة لكن رئيس حكومة شركة أبل يجيد جعل كل من هو أسفل منه في الهرم الوظيفي يعمل ويتمتّع بعمله فيبدع، ونحن نعجز رغم الرخاء الإقتصادي أن نجعل الرخاء الوظيفي يتحقق، فأغلب الموظفين متضايقين من عملهم، ولذا هم يتهرّبون لأن العمل يزعجهم، ويهملون لأن مسؤولهم في العمل أهملهم ، ويتغيبون لأن العدالة غائبة ، وهذا الأمر لا يحتاج دليل ، فالمواطنين العاملين في القطاعات النفطية والخاصة ينجزوا أعمالهم و يتقنوننها، ويواضبون عليها، ليس بسبب المال بل بسبب الرضى الوظيفي.
Comments