بقيادة ”لي“ استقلّت سنغافورة من ماليزيا سنة ١٩٥٩، رغم عدم كفايتها من أغلب الموارد ناهيكم عن حاجتها للماء، لكن هذا المارد العملاق حوّلها لأسرع دول العالم نمواً اقتصادياً، وأصبحت اليوم حلم الكثير من الأوربيين للعيش.
لا تزال سنغافورة تبهر العالم بنموها وفوائضها رغم أن عواصف الأزمات والكساد دمّرت أغلب اقتصاديات العالم وأضعفتها، لكن آلة النظام التي شيدها ” لي“ لا زالت تخلط لهم خلطاته السحرية الناجحة التي خلطتها أثناء حكمه الذي استمر ٣١ عاماً وإلى اليوم بعد أن تركها سنة ١٩٩٠، ومن أسرار تلك الخلطة، إستثمار موارد الدولة في تطوير التعليم.
يحكى في القرون الماضية، أن أحد ملوك أوربّا طلب إليه شعبه أن يعمّر لهم بلادهم لتصبح مثل فرنسا وقصورها، فطلب منهم أن يدفعوا ضرائبهم الشهرية بعد غروب الشمس، بحيث يفتح الحرّاس باب برج يصعد النّاس إليه، ويرمون مبلغ الضريبة في صندوق لا يصل إليه أحد، ولا أحد يعلم كم ألقى فيه.
طلب الملك حضور أهل القرية جميعهم، وأنزلت حبال صندوق الضريبة، وفتح الصندوق ووجد أن المبلغ المجمّع زهيد، فالكل يظن أن مساهمته البسيطة لن تؤثّر على مبلغ الضريبة، أراد الملك أن يثبت لشعبه أمراً فقال ” أعطوني شعب فرنسا وأعطيكم صنائع ملوكها “ لكن أحد الحكماء كان جالساً فقال له: سيدي أنت وضعت نظاماً فاشلاً بامتياز لتثبت أقوالك، لم لا تستخدم قدراتك في تحفيزنا كما يفعل ملوكهم.
واليوم يحرص السنغافوريون اتباع النظام الذي أسسه ”لي“ وبدأت مدارسهم ( من ٢٠١٦ ) بالاستغناء عن عمّال نظافة مدارسهم، لينشأ الطفل وهو يحسن تنظيف مدرسته كما أحسن تنظيف بيته الخالي من الخدم، فحين يكبر السنغافوريين ويلتحقون بالعمل، لن يواجه أرباب عملهم مشكلة تعليمهم ثقافة العمل، فليس لديهم جيل مدلل من صغره، يقدّر الراحة، ويكره العمل، وحين يكبرون ويلتحقون بأعمالهم رغبة منهم في الحصول على الأجر، سيكونون مؤهلين للعمل والعطاء، أما الطفل الذي لا يعمل في بيته ولا يعمل في مدرسته، فلن يعمل في عمله، وحين لا يعمل أغلب الشعب، ستصبح انجازاتنا مثل صندوق ضرائب الملك، ونصبح في المركز الأول في أفضل الشعوب راحة وكسلاً بدلا من المركز السابع حالياً.
لا يروق لي أن أسافر آلاف الكيلومترات لأكيل الثناء لرجل انتهت خدماته منذ ربع قرن لا يقترب من ديني ولا يشاركني تاريخي، ولكننا في الكويت عالقون في حكومة لا تحسن عمل العمالقة، فالتشديد في التعليم سيزعجنا أولاً ولكنّه سيسعدنا لاحقاً.
Comments