قبل سنين، نزلت في فندق ريفي تديره عائلة ألمانية بعيدا عن ضوضاء المدينة. وفي غرفتي الصغيرة، جلست في شرفتها الخشبية أستمع الى سيمفونيات تعزفها الطبيعة، ترتخي عيناي في سهلٍ أخضر ممتد، لكن رذاذ المطر المتساقط يعيق امتداده، وحين تحرك الرياح الأغصان أشتم رائحة الأشجار والأزهار، ورغم زخات المطر الخفيف وقفت على أطراف مباني الفندق طيور تغالب المطر مغردة لتشعرك أنك وسط أوركسترا ليست من صنع البشر، وفي تلك اللحظات أتذكر جوليا بطرس وهي تغني «وقَف يا زمان».في هذا الفندق، وقعت في غرام شوربة الطماطم بالزبدة التي يعدها ذلك الفندق، أحتسيها على أنغام زقزقة العصافير، ورغم انني وف.ّقت باختياره فإن اختياري لفندق وسط الريف لم يكن بتوصية صديق، أو بمعرفة قديمة، بل كان بدافع الفضول أولا، ورغبتي في الاسترخاء ثانيا، فحين كنت أبحث عن الفنادق في شبكة الانترنت، فوجئت بتقييمه الذي يقارب الكمال، والأعجب أن أعداد المقيمين له كبيرة، وهذا أمر نادر جدا، فبحكم معرفتي البسيطة بالاوروبيين، من الصعب جداً أن يحصل فندق على رضاهم التام، لذا دفعني الفضول لاختياره وكشف سره.في صباحية أول يوم لي، جلست أؤانس صديقي على طاولة الافطار، التي لم اذق منها سوى ملعقة من العسل، طلبت قهوتي المفضلة، وبقيت جالسا ريثما ينتهي صاحبي من افطاره، وبعدها طلبت فاتورة القهوة، حينها أتتني صاحبة الفندق وأخبرتني أنها قد لاحظت عدم تناولي الافطار المجاني، وبالتالي فإن قهوتي ستكون مجانية من الفندق، وفي المساء اشتد البرد علينا ففضلنا تناول العشاء في الداخل، ورأيتها تطوف على طاولات الضيوف تدردش معهم وتضاحكهم وتهتم بهم.هذه حكاية فندق صغير تديره عائلة ألمانية، حصل على أفضل تقييم في أذهان رواده وعقولهم قبل أن يحصل على تقييمهم المكتوب على صفحات الانترنت، لم يحظ هذا الفندق المتواضع بأعلى درجات التقييم بسبب خدماته أو طيب طعامه أو عدد نجماته، فهناك فنادق تفوقه في خدماتها، لكنها قد حصلت على تقييم أقل منه، بل كانت لمسة انسانية مصحوبة بالحب والاهتمام الصادق، فهل لنا أن نعلم أن اهتمامنا بمن حولنا يحتاج منا الى دليل نقدمه لهم لننعم باهتمامهم المقابل ونحظى بخمس نجوم في عقولهم؟!
top of page
bottom of page
Comments