في زمن موسى - عليه السلام - كان البشر يجالسون الملائكة، كما ذكر بنو إسرائيل ونقلتها كتب علمائنا، الذين حدثوا عن بني اسرائيل من دون حرج، تنفيذا لكلام نبينا - صلى الله عليه وسلم - و كان لمَلَك الموت رجل يجالسه من بني اسرائيل، يحدثه ويسامره، وفي تلك الأيام قال صديقه من الإنس: إن زيارتك تخلع لي قلبي، فكلما زرتني شككت في سبب زيارتك لي وأخشى أن تأتيني قابضاً لروحي لا قابضاً لحديثي، فضحك ملك الموت منه، واشترط عليه صاحبه أن يرسل له ملك الموت رسولاً، يمهد لزيارته ويخبره أنه سيقبض منه روحه، فوافق المَلَك، واستمر بعدها يزوره الملك لسنين طويلة، حتى كبر الرجل واحدودب ظهره، وفي مساء أحد الأيام طرق الباب ملك الموت فأدخله فلم يدخل، فقال له: إنني قد أتيتك اليوم قابضاً، فقال له صاحبه: وأين رسولك لي الذي أرسلته؟ فأجاب ملك الموت : ألم تر تجعد جلد وجهك وحدبة ظهرك والشيب في رأسك؟ أليسوا رسل ربك بقرب موتك؟! وقبض روحه بعدها.
«إن زيارة الموت لبيت - حتما - ستكون فاجعة وأمراً عظيماً، إلا أنها بوابة عظيمة نخرج منها من قوانين هذا الكويكب، الذي نعيش عليه بصفة مؤقتة، ويحكمنا قانون حرية الاختيار الزائل، وتنتهي بعد عبور بوابة الموت إلى قوانين اختبارنا الاستثنائية لننتقل الى القوانين تحكم فيها باقي المخلوقات، إنها قوانين الله السرمدية الأزلية التي ليس فيها اختيار، بل هو السمع والطاعة، وكأني أرى لوحة علّقت على هذا الكويكب الصغير «مكان مخصص للاختبار»، يقول جل من قائل: «الذي خلق الموت والحياة ليبلوكم أيكم أحسن عملا»، فحريتنا هي استثناء من قانون الطاعة «إئتيا طوعاً أو كرها»، لكن اختبارنا هو في الاتباع من دون اخضاع، فأعلمنا وأخبرنا بما سيكون بعد بوابة الموت وترك لنا القرار، لكن هذه الحقيقة البسيطة تحتاج منا الى أن نبني جسوراً من الإيمان فوق بحور من الشك لنصل بها إلى أرض الحقيقة، التي إن وَطِئْناها علمنا أن حياتنا هذه إنما هي ليلة صيفية قصيرة من سني حياتنا الطويلة بعد تلك البوابة.
وفي طيات بشاعة الموت يكمن خيرٌ كثير، فهو السبيل الوحيد لنرى أحبابنا ممن سبقونا وقضوا، وهو السبيل الوحيد لنعلم الحقيقة الكاملة حول مكاننا في حياتنا الآخرة ولنعيم المتنعمين، وحين نعدّ أهم أحداث حياتنا، يغيب عنا أن نذكر أن أهمّها سيكون بعد بوابة الموت وليس
Comments