قبل سنين طويلة أتعبني ترددي على الأطباء لعلاج التهاب حنجرتي المزمن، لم أجد عند الطبيب سوى المضاد الحيوي الذي زاد تعبي، لكني وجدت أن سنوات التردد على الاطباء كانت سببا يمنع تفكيري في مشكلتي، وذلك لأني لم أكن أبحثها وكنت أوكل الطبيب فيها، وحين قررت أن اراقب نفسي علمت أن درجة برودة الثلاجة ومبرد الماء كانا خلف مشكلتي.
وزاد مشكلتي تعقيداً، إصراري على الاستمتاع بالمشروبات الباردة والمثلجات! لكنني وصلت الى تسوية وأغلقت ملف مشكلة حنجرتي للأبد، حين عدلت برودة الثلاجة والمبرد، وحين أوجدت حيلة لأجعل فيها حنجرتي في مأمن من البرودة العالية، فحين أشرب المثلجات أُبقيها في فمي لوهلة حتى تذهب برودتها.
ولكل من لامني لإصراري على شرب المثلجات والبارد فانني أذكرهم أن العرب قديماً حين يشعرون بالمتعة العالية لأمر جميل يقولون «ألذُّ من الماء البارد على العطش»، ففي ذلك الزمن لم يكن من الحرارة مهرب، فلم توجد مكيفات الهواء بعد ويتعذر عليهم تبريد الماء، فغالباً كانوا يشربونه غير بارد، ولو أخرجنا بعض الأعراب من قبورهم، وزرنا بهم اليوم أقرب مقهى، وسقيناهم الايس موكا والايس شاك ثم عرجنا بهم على عصائر الافوكادو بالمانجو او بالعسل، لربما ظنوا أنهم قد نجوا من النار فهذه أمنياتهم قديما التي كانت ستتحقق لهم فقط الجنة.
ولا ننسى أن رفاهية المثلجات، التي لا يمكن مقاومتها، لا تناسبنا، فأجسامنا ليست معدّة لاستقبال هذا القدر من البرودة، ومن يلازمها ويحبها فانه سيلازم الأمراض، فأضرار الشراب البارد لا يمكن لها أن تحصر، وأبسطها هي التهابات منطقة الحنجرة المزمنة التي تؤثر في السمع والنوم ومستوى الاوكسجين بالجسم وانخفاض المناعة، حتى لا نكاد نشعر أننا أصحاء، فالحنجرة التي هي حارس مرمى اجسادنا ستكون في إجازة طبية حين تحرز الفيروسات أهدافها.
Comments