top of page
بحث

شواطئ البشر


ree

شواطئ البحار متنوعة برمالها ومياهها، والناس كالشواطئ، منهم شاطئ رملي، تنطلق فيه العيون فلا تجد آخره، يأسر قلبك صفاؤه، تتناغم زرقته مع نعومة رماله، و بلا إدراك، تنجذب مقترباً، وبثوب السباحة تقفز مبتهجاً، فتشق صخوره قدميك، فتقول لنفسك : لن أعود اليه أبداً، ولو عدت دون أن تسبح لكان أفضل لك ، وهذا شاطئ جبلي مياهه بالاسفل ، يحدّه الجبل ، وتسأل نفسك: هل إقفز من أعلى لأسبح ، و لانك تخشى الانزلاق ، تتركه ولا تعود ، ولو عدت دون أن تقارب ثم راقبت البحر من علو لاعجبك المشهد، وهذا شاطئ عكر ، تضربه الرياح ، ، فتتركته دون أن تجرب السباحة لكنها ممكنة.


ومن غريب الدنيا ، أنها لا تحلوا بلا أناس نجالسهم ، ولا تصفوا بهم إن جالسناهم ، فإن أحسنّا إلى الناس أساؤوا ، وأن توددنا شكّوا ، وإن كشفنا ظهورنا لنريهم طيب معدننا، أسرجوها بطلابتهم ، وأن أدرناها لهم ، قذفوها بسهامهم ، فمن تعجبنا هيئته ، تصدمنا سريرتُه ، ومن يغلبنا طيبه ، يصفعنا طبعه ، ومن تخجلنا خدماته ، لا تسعدنا طلباته ، ومن لا نجد منقصته ، تنقصنا مجالسته ، الامر محير مستعصٍ عسير ، إن اقتربنا ، تأخروا ، وأن تأخرنا تقدموا.


والشواطئ من البحور ،لا تنفصل عنه ، فالشاطئ الجميل هو إمتدادٌ لبحرٍ عميق ، وكما أن الشواطئ تختلف عن البحور فكذلك البشر يفكرون بطريقة ثم يتعاملون بطريقة أخرى، فعلم النفس يكشف كيف نفكر و يفكّرون ، وعلم الاجتماع يشرح كيف يتفاعلون .


ولأنها شواطئ و تزورها الرياح ، فيعلو موجها وليس ذلك من طبيعتها ، فكذلك البشر، فلا نستعجل بأحكامنا ، فمن يغضب لا يعني أنه غضوب ، فلربما شاطئه هادئ لكن رياحه عاتية ، وظروفه غير مواتية ، وتسكن الرياح ويعود للهدوء ، ولتقترب من الشواطئ ، إياك والهرولة ، فلربما حجر يجرحك ، أو حفرة تخدعك ، إستبدل خطواتك الكبيرة والسريعة بنقلاتٍ صغيرة مدروسة ، فمن يعجبك ظاهره ، افحص منه باطنه ، لكي لا تخطو وتتراجع ، وان خطوت اليه خطوة ، فانتظره أن يخطو اليك لتخطو اليه ثانية ، وإن وجدته غير مهيأ أعطه مزيداً من الوقت فلعل ظروفه غير مناسبة أو باله مشغول يمنعه أن يرى طيبك وجمال روحك .


والناس ثلاثة ، فواضح ( أبيض أو أسود ) وملوّن وشفّاف ، وأولهم الواضح فهو إما أبيض ناصع أو أسود فاحم ، إما صديقٌ صحيح أو عدوٌ صريح وكلاهما لهم ذات المعاملة لان الخطورة المخفية قليلة ، فترى أفعالهم توافق أقوالهم فإن عادوك أظهروا العداوه وإن آخوك أظهروا المحبة ، وأما من يحتاط له فهو الشَّخص المتلوّن ، فتراه بكل لون ، تصبُغُه المصلحة ، صديق حميم ، ونمّام أثيم، يجالسك فيتلوَّن بك ثم يتلوّن مع غيرك ، وان رآى مصلحته مع غيرك إستعمل ما قلت له ضدك ، فلا يؤمن جانبه ، فتّش عنه كي لا يخدعك ، ولا تهمل إشارات التلوّن وأهمها تغيير المواقف ، ومخالفة الاقوال ، فهو شديد الذكاء في الاقتراب منك ، وشديد الذكاء في إستعمال ما تقول له ، ولا تفتّش عن النوع الثالث لأنه الشفاف ، الذي ترى صفاء نفسه ، وتعلم منه مايفكِّر قبل أن يفعل ، فإن آخيته فاعلم أنك حظيظ.


ومن يريد أن تفتح له قلوب الناس فعليه بمفاتيحها وهي بفنون التعامل ، مثل فن الحديث ، وأدب الاستماع ، ولباقة المخالفة ، ومعرفة المقامات، وفراسة الوجوه، وعبقرية التحليل، ومنتهاها في ربط الإشارات بالأقوال والأفعال، وفهم توجهات الناس وتياراتهم، وكلما مزجتها كنت أقرب الى الناس لانك تعرف ما تقدّم لهم وما تأخر عنهم ، ومن يتجاهل كل هذه الفنون ويريد من الناس أن يكرموه لأنه يحسن التبسٌم أو يجيد فناً واحداً ، فهو كشحاذٍ يدخل بنعليه قصر الملك ، ويجلس على كرسي وزيره ، ثم يرفع رجله في وجهه، ويطلب ماءً لعطشه ثم يأمره بطلباته، ويظن أنه سيجيبه.

 
 
 

تعليقات


تابعوني على وسائل التواصل

3.png
5.png
2.png
4.png
6.png
7.png
8.png
bottom of page