top of page
بحث

عندما نتأذّى



عندما نتأذّى تملأ قلوبنا الجراح، ونغرق في الدماء، تزعجنا الذكري، وتردادها يقتلنا، نرغب في الانتقام، من أخذ مالنا، نتمنى إتلاف ماله ، ومن آذى جسدنا نريد أن نقتص منه ، الانتقام يشفي جراحنا ، ويداوي أحقادنا .


عندما نتأذى يتوقف العقل وتسيطرعليه مشاعر الغضب، وأن تطاول من آذانا وكابر ولم يعتذر زاد الاذى أضعاف، أو لربما أكمل أذاه بقلة أدبه، هنا يتحول العقل الى لعبة بيد الغضب و تطير بقايا الحِلم و تلتهم نارالغضب بقايا العقل والتعقّل، وبمرور الايام، وتعاقب الليالي تنتهي الالام ، وتهدأ العاصفة وويعود العقل ليقيّم الاضرار .


وفي كل الحالات لا يمكن أن نربح ولن تتحقق المكاسب، فالمشاعر الغاضبة هي تدير الاحداث، تتبعها العقول لتكون المنفّذ لا المقرّر أو المدبّ، وبعد التقييم نجد أن الخسائر كبيرة، فهذا مسن رفعنا صوتنا عنده ، أو صاحب فارقناه، أو قريب أغضبنا، أو مال تعدينا عليه، أو حق أغتصبناه، نبرر أفعالنا بتريرات، تتوافق مع مشاعرنا الغاضبة، وترفضها عقولنا لكننا نحتال عليها ، لانه يريح نفوسنا ويخفف احتقانها، وتدور السنين وتعود الاحداث بالوانها المختلفة ، وتشابهها المفرط ، فكل الاذى تديره المشاعر ، و تضمحل عنده العقول ويتلوث فيه القلب ، نضيع وسط الظلام " ظُلُمَاتٌ بَعْضُهَا فَوْقَ بَعْضٍ إذَا أخْرَجَ يَدَهُ لمْ يَكَدْ يَرَاهَا "، فشعورنا بالغضب يحفّز فينا التطرف والانتقام ، وظلام ضيق النفس وكدر الاحساس يقيدنا عن النهوض و سواد الانتقام يملأ سما الافكار ، تنطفأ شمعة العقل و نجهل ما يدور داخلننا فيستحيل أن نتعامل مع الخارج والمحيط ، تتراكم تعقيدات الموضوع ، فتغرقنا التفاصيل ونعجز أن نجد المخرج .


ولأن الموضوع فعلاً معقد، يتوجب أن نعرف نقطة البداية التي تخرجنا من الغضب ، ولكي نشعل شمعة العقل يجب أن نبدأ بما يحول دون إشعالها فنزيله فالعقل هو مخرجنا الوحيد لكن ما يمنع عمله الكثير ، لذلك ندور في دائرة الشر التي يسكب الشيطان عليها زيته ، ليضمن إستمرارها ،فكلما هدئت نفوسنا أعاد الشيطان في نفوسنا أشد ما يأذينا لنتذكره وتدور العجلة ، سألني أحدهم :كيف نفرّق وساوس الشيطان عن حديث النفس ، فعلقت قائلا: إختلف مع صديق أو قريب وراقب وساوسه ، فصوت الوسواس عالي "وقل لعبادي يقولوا التي هي أحسن إن الشيطان ينزغ بينهم إن الشيطان كان للإنسان عدوا مبينا".


فالمخرج هو إزالة كل ما يمنع عقلنا من الإضاءة لنجد الطريق ، وأولها سواد القل فهو من يقف عائقاً ، ولأننا غالباً لانعترف به لاننا نظن أنه دائم ، فنقول أنه غير موجود لذلك تتعقّد المشكلة ، وهذا السواد هو سواد مؤقت يغلف القلب ويمنعنا من أن نرى النور ، ولذلك جاهد نفسك أن تطهِّر قلبك ، وهذا لا يعني العفو عن من آذانا وإنما تطهير قلوبنا من الأحقاد ، ولأن الشيطان يحسن إستغلال هذه الفرصة فهو يخلط علينا الامور ، وكأن تطهير قلوبنا هو عفوٌ عن المأذي ، لكنه ليس كذلك .


ولنجرب سوياً هذه التجربة ، ولنتعلم عادة جميله ،أغمض عينيك ، وتذكر أشد ما آذاك به المأذي ،نعم الآن أريدك أن تفعلها، لاتأجلها ، تذكر أشد ما أوذيت به ولا زال يزعجك ، اغمض عينيك عليه ، وتذكره وتذكر مشاعرك نحوه ،وتذكر المشهد وادعوا للمؤذي ، حرك شفتيك واركل كيد الشيطان "اللهم آغفر له ، اللهم إرحمه ، اللهم ، أعفو عنه "، أدعو له من كل قلبك ليطهر قلبك ، وتنقى سريرتك ،ويرتاح ضميرك ، كررها مراراً حتى تتأكد أن سواد قلبك قد تطاير ، لا تعفو عنه ولكنك ستكون أقرب الى العفو، و بكل تأكيد ستكون أقرب الى رحمة ربك .

مشاهدة واحدة (١)٠ تعليق

أحدث منشورات

عرض الكل

Comments


bottom of page