top of page
بحث

منهاتن



حاول جاهدا أن تضيع في منهاتن، لن تستطيع فمعالمها ستنهي محاولاتك للضياع بمعرفة موقعك، فمتاحفها المتناثرة على مساحتها الصغيرة التي لا تزيد عن ٨٧ كيلو متر مربع سترشدك إلى موقعك ، وطوابير الإنتظار في شارع ” البرود واي “ بانتظار دخول الناس للمسارح الأمريكية سيخبرك بموقعك ،ناهيك عن معالمها العمرانية وناطحاتها الشاهقة وجسورها المميزة وأنفاقها التي ستكون مناراتك المضيئة لتعلمك أين أنت.


مانهاتن هي شبه جزيرة طولية يحدّها نهرين، من الشرق نهر هارلم، و من الغرب نهر هودسون ، وكلّما نظرت إليه , تذكّرت القائد الأمريكي المغوار الذي تعطلت محركات طائرته بعد الإقلاع بدقائق وهبط على النهر دون أن يصاب أحد ركّاب طائرته بأذى، فلا يمكنه معاودة الهبوط في أي من مطارات نيويورك ، فهو يعرف تلك المطارات جيداً , فسلاسل الطائرات التي أعطيت الأذن بالهبوط لا يمكنه انتظار إعادة ترتيبها , وليس بحوزته إلا دقائق للهبوط، و بسبب حنكته و خبرته العسكرية السابقة ، إختار أن يهبط بها على نهر هدسون ، وكلما شاهدت النهر تذكرت ركاب الطائرة يخرجون آمنين .


يسكن في منهاتن أكبر تكتل إسكاني في أمريكا ، ففي كل كيلومتر واحد منها يوجد ٤٤.٢٦٦ الف نسمة ، ولنا أن نتصوّر كيف يخدم سكان ناطحات السحاب , فهناك أكثر من ٣٨٠ محل قهوة ” الستاربوكس “ فقط ! ناهيك عن مئات المقاهي الأخرى ,وبالرغم من اكتظاظ الأحياء بالمقاهي , إلا أن فترة إنتظار فنجان القهوة قد تزيد عن ٢٥ دقيقة.


أثار دهشتي واستغرابي إمتلاء تلك المدينة بسيارات الأجرة ، وتسائلت كيف يكون لمدينة غنية ليس بها سيارات فارهة ؟! ، وجاءتني إجابة هذا التساؤل ، حين استأجرت سيارة لأخرج بها بعيداً ، وحين أردت إيقافها علمت أن ساعة الوقوف في تلك المدينة تكلف ٢٢ دولار أي بمعنى أن من يملك سيارة فارهة سيدفع ثمنا لوقوفها في السنة ١٩٠ ألف دولار أي أضعاف قيمة سيارته الفارهة، وبكل تأكيد الأثرياء لا يرغبون بذلك .


رغم أن منهاتن قد أشتريت من الهنود الحمر سنة ١٦٢٦ بمبلغ ٦٠ جيلدر ، و هذا المبلغ يساوي 24 دولار في حينه ، إلا إنها اليوم من أغلى المدن الأمريكية , فمتوسط سعر المنزل في أمريكا هو 230 ألف دولار حسب تقرير جريدة نيويورك تايمز , ألا أنه منهاتن مختلفه فمتوسط سعر الشقة 5.5 مليون دولار ,ولذا فإن كاهل من يعيش في هذه المدينة مرهق ، فالمواصلات مكلفة ، والمطاعم باهظة ، وإيجار السكن مرعب ، والرواتب الضخمة التي يتلقونها تتناثر بعد دفع الضرائب ، ونفقات المطاعم دور السينما والمسارح ، التي يقصدنوها بتلك المدينة للترفيه بعد أسبوع من العمل المضني ، ولذا نجد أغلبهم يعمل تحت ضغط مصاريفة ، ولا يعرف التوفير.


صداقتي مع عامل الحقائب في الفندق ، أعلمتني بأنّه يتقاضى ٥٠٠٠ دولار شهريا ، وهذا يعتبردخل كبير لشاب الصغير , فهو لا يقوم بدفع ضرائب عنه بسبب كونها إكراميات ، ودخل كبير لأنه أخبرني أن والديه ” الباكستيين الأصل “ يدفعان كل مصاريفة ، فإذا كان دخل من يفتح الباب للنزلاء خمسة آلاف فلنا أن نتصوّر كم هو معدّل دخل ” المنهاتيون “ .


جلست يوماً بجانب سائق الأجرة ذو الأصول الأفريقية ، ووجدته ماسكاً الدولارات من فئة الدولار يعدّها دون وعي منه بما يفعل ، فقلت له ممازحاً ، أعطني إيّاها أمسكها لك لتتفرغ للقيادة ، فضحك مقهقهاً ، وقال لي : لا أحد يتحدّث معي ، هم يجلسون في الخلف ويمسكون الهاتف ولا يلتفتون لي ، أريد أن أسلّي نفسي ماذا تريدني ان أفعل !، وسائق آخر أخبرني أنّه لا أحد سعيد بهذه البلدة ، فلا يركب معه رجل إلا يتحدّث بهاتفه عن مشاكل عمله أو عن خلافاته الأسرية ، وأخبرني بأنه عاش في منهاتن أكثر من ٣٥ سنة ، لم يستطع التوفير رغم دخله المرتفع .


هذه ” منهاتن “ العاصمة الإقتصادية لأغنى بلاد العالم ، لا تكاد تجد أحداً من سكّانها يحبّها ، ولولا حاجة لي بها أجلستني لفارقتها، ورغم أن الكويت بلدٌ صغير ليس فيه الكثير مما تملكه تلك المدينة، إلا أنه كل سكانها يحبونها

٠ مشاهدة٠ تعليق

أحدث منشورات

عرض الكل

Comments


bottom of page