هامشية الغرب
أسلمت ظهري للمعالج ليدلكني وليخلصني من آلامي المبرحة، وذلك في آخر ايام اجازتي في الريف الانكليزي، صحيح انها اجازتي التي يفترض فيها التوقف عن الكتابة، إلا انني كنت فيها اعمل بمعدل 8ــ10 ساعات لتنقيح النسخة الانكليزية من كتابي، ومراجعتها ومن ثم التعاقد على نشرها وتوفيرها للجمهور الانكليزي. استقبلني المعالج (جريج) عند باب النادي الصحي وحدثني وكأنه يعرفني منذ سنين، حدثته عن بلدي، وعن اسباب آلام ظهري وعن كتابي الذي نشرته في اليوم السابق لزيارته، سألني عن فكرة الكتاب، فأخبرته انني كتبت للبشر «Human Manual» يوضح لنا كيف نستخدم اجسادنا وعقولنا. كان شغوفاً جداً بالمعرفة، فسألني: ما الذي تقصده، فأجبته جاداً وممازحاً: كتبته للبشر لأني اجد اغلبهم «لا يحسن الحياة».. قهقه جريج عاليا وقال: انا موافق تماماً، وبعدها تتابعت اسئلته عن الكتاب، اخبرته اننا سنعيش افضل ان رأينا أبعاد حياتنا الخمس (اجسادنا، اموالنا، علاقاتنا الاجتماعية، عالمنا الداخلي وارواحنا)، واخبرته ان الكتاب يقدم عدسات تمكّننا من رؤية تلك الابعاد، ويقترح ادوات تمكننا من جعل تلك الابعاد الخمسة لحياتنا في توازن، ولساعة الكاملة وهو يدلك كتفي وظهري وانا ادلك له اذنه. نظام حياتنا الحديث حوّلنا من بشر، الى آلات، بعضنا يبحث عن المال والبعض يبحث عن المتعة، لذا تساءلت في بداية كتابي «التوازنات الخمسة»: هل المتعة الدائمة موجودة؟ وقلت ان المتعة بتصميمها المتقن هي جزء إتقان هذا الكون، فإن اردنا زيادتها بطعام مرضنا، وان اردنا زيادتها بشرب الخمر تنازلنا عن عقولنا التي تجعلنا بشراً، ونعود لنتساوى مع البهائم، ولأن المتعة تسيطر على %95 في المئة من تصرفاتنا المباشرة وغير المباشرة حسب دراسة اطلعت عليها، فهنا اسأل هل: تستحق دقائق المتعة الزائلة ان تكون هدفا لنا يهيمن على اغلب تصرفاتنا؟ كنت اجلس غالبا في ذات الطاولة اكتب، ادردش مع من يخدمني وألاطفهم، وحين يسألونني عن ماذا اكتب؟ كانت تلك هي دردشاتي، وفي اليوم التالي اجدهم يعاودون الحديث مع مزيد من الاسئلة، فأترك الكتابة واجيب عن اسئلتهم، ارحم هامشيتهم وبعدهم عن معاني الحياة العميقة، فالحياة الغربية، تجعلهم يكدحون طوال الاسبوع، وحين تأتي عطلة نهاية الاسبوع يفعلون ما يشاؤون، يرقصون ويسهرون ولكنها لم تمنحهم معنى واحدا لوجودهم احياء. آخر يوم لي في هذا الريف، أتت زوجتي متأخرة تشاركني وجبة الافطار، فوجدت العاملة الشقراء، التي تأتيني بالقهوة عادة، تقف تحمل الاطباق الثقيلة بجانب طاولتي تناقشني، حاولت إنهاء الحدث كي لا تتضايق زوجتي، واخبرتها ان الاطباق ثقيلة، وان حديثنا موجود في الكتاب، لكنها اعادت وكررت طلبها برغبتها في تقديم رأيها في كتابي، وبعد إلحاح منها اعطيتها البريد الالكتروني لتنصرف، وأعطتني زوجتي ما فتح الله عليها من طيب الحديث.